كريشيندو

وسط جموع الراقصين المحتشدة راها تجلس وحدها...تنقر باصابعها علي المنضدة المستديرة علي انغام الموسيقي
التقت عيناهما فابتسم الا انها لم تبدي اي اهتمام
شعر بنظرنها الحالمة تخترقه كانما تنظر من خلاله علي ما هو ابعد وابعد
وحينما رأته يحدق بها توردت وجنتيها خجلا
شعر بقلبه يخفق بقوة
ودون ان يشعر قادته قدماه اليها...
حارت فيما تفعل...تلفتت حولها في ارتباك..وقف امامها عاجزا عن الكلام
التقت اعينهما ودار بينهما حوارا طويلا بينما وقفت الشفاه ترقب صامتة
انقذه الايقاع الثلاثي المميز لموسيقي التانجو
امتدت يده اليها في وجل قائلة "اتسمحين؟"
راوغت يدها عقلها الرافض...
شعرت بقلبها يخفق بقوة حين لامست يده اطراف اصابعها
استسلمت للمسة يده الحانية وهو يقتادها الي حلبة الرقص

وقفت امامه في ارتباك بدا في اختلاج جسدها وارتباك خطواتها
وضع يده علي خصرها وامسك بيدها الاخري
ابتسم قائلا في صمت
اطمئني..

لم يصدق كم هي جميلة الا حين اقتربا
لم يعلم كم هي ضعيفة الا حين راي نظرتها المرتبكة
ابتسم مطمئنا اياها في صمت
فابتسمت

ومع البداية الهادئة لموسيقا التانجو وتناغم اصوات البيانو والكمان
شعر بانه قد وجد لحياته مستقرا
شعر بدفء عجيب يحيط بقلبه الذي كان خاويا كالاطلال الخربة
وفي هدوء ابعدها ...راها تستدير كالفراشة الرقيقة..لم يتحمل بعدها فضمها اليه ثانية
وضع يديه الاثنتين علي خصرها فاحاطت رقبته بايديها

الايقاع يتصاعد
تعلو اصوات البيانو لتاخدهما الي عالم بعيد
الي حلم لم يعيشاه سويا
عالم تناغمت فيه زرقة السماء واشراقة شمس يوم جديد
علي محيط هادئة امواجه
في جزيرة كانما خلقت لهما
بدا وان اقدامهما قد دبت فيهما حياة خاصة
تدور...وتخطو..وتعدو ..

امالها في رقة شعرت بها من نظرته القلقة
واضعا يدها خلف ظهرها
لن تسقطي وانا بجوارك
لن تسقطي فانا دائما معك
رفعها ونظر الي عينيها
ضمها فقالت عينيه
معك...اولد من جديد

الايقاع يتصاعد
تعلو انفاسهما مع دقات الطبول الاسره
تدور معه في حلقات متتابعة متسارعة
تشعر كريشة في مهب ريح عاصف
لقد حطمت قيود عالمي
معك شعرت بأمان طفلة في احضان والدها
لقد اختطفتني من عالم الاموات
فاحييتني

الايقاع يتصاعد
تدوي اصوات الكمان الثائرة كالبركان
ازداد ضربات الطبول قوة
رفعها عاليا فشعرت انها تطير
انت ملكتي..
سمعتها دون ان يقولها...
شعرت بها في حركاته الواثقة الحانية
ضمها اليه مرة ثانية لينظر الي عينيها نظرة خاطفة
استسلما تماما لشلال الموسيقا الاسر يحرك جسديهما حركة ذاتية
انا معك...ولن نفترق
انا معك..ولن نفترق

ومع توقف الموسيقا شعرا بانهما قد اقتلعا من عالم اخر
فعادا الي عالم الواقع
وجدا الراقصين يحيطون بهما بأعين تصرخ منبهرة
نظرت له نظرة شاعرة انه الوداع
فقد توقفت الموسيقا وانتهي الحلم

صمت قليلا حتي هدأت انفاسه
صدره يعلو ويهبط عالما انه لابد ان يتركها
فقد توقفت الموسيقا
وانتهي الحلم