وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ

Monday, September 22, 2008

عندما ساد الصمت

ربما كان قاسيا ان يراك من تحب تلفظ انفاسك الأخيرة

**********
ثوان...دقائق...ساعات...سنوات
ليست حياة واحدة بل هي الف الف حياة
كل نفس يدخل الي رئتي رغما عني..حياة
كل ثانية تمضي بدونك...حياة
كل شروق..كل غروب..كل قطرة مطر..موجة بحر..نسمة ريح
كل اختلاجة وهمسة ونبض قلب اعتصره الالم
حياة
حين تعيش مضطرا..تتنفس كالأموات
حين تستعر بداخلك النيران
حين تشعر بهوة داخل القلب...والم حارق بين الجنبات
حينها...لا تعيش حياة واحدة
بل هي الف الف حياة

سيارة الاسعاف لا تسع سوي مرافق واحد...تستطيعون جميعا ملاحقتنا بالسيارة

اعلم بانك تسمعني..لم تدعني يوما لاتكلم
دوما بداخلي..تسمع مالا اقول...تشعر بما اكن واخفي
تنفذ داخل روحي فتعلم عني مالا اعلم
فكيف اتكلم الان...ولا تسمعني؟

قل له ان يسرع قليلا ..الحالة حرجة بما يكفي...من الجيد انها تتكلم معه طوال الطريق هذا يبقي وعيه في الـ

دائما ما احياني بريق عينيك كزهر تفتحت علي استحياء حين تغمرها اشعة الشمس
دائما ماسري في جسدي ذلك الدفء حين المس يدك فتقبض عليها بتلك الرقة التي تذيبني
الان...وعيناك مغمضتين..اشعر بالبرودة..اتلمس يدك...انتظر ان يسري في جسدي الدفء كما اعتدت..اري يدك الساكنة...اري عينيك المغمضتين..اشعر بالبرودة...اشعر بالبرودة...اقاوم دمعا يأبي ان ينزل امام غرباء كما عودته كلما تذكرت كيف نظرت الي للمرة الاخيرة..كيف جذبتني لتقول لي..لماذا لم تقل..؟؟لماذا ابت تلك الكلمة ان تخرج من فمك؟؟
وقتها امسكت يدك مطمئنة...رأيت احلامنا التي لم نحققها..تشبثت بذلك الامل بداخلي واستجمعت ارادتي كي ازيل ارتجافة يدي بينما تزيل الدم عن وجهك وشفتيك
انا لست وحدي..فلاتماسك
ولاتظاهر بالامل والايمان ان تعود الي
لابتسم مطمئنة من حولي...سوف تعود الي
ولاخفي الام تلك السكين الباردة التي تدمي قلبا لم ينبض يوما لسواك
بأنه ربما لن ينبض بعدئذ...ابدا
********************

حين التحق يوما بكلية الطب...حين تمني ان يكون طبيبا يشار اليه بالبنان..يقهر الموت في مباراة كونية ازلية..حين بدأ نوبتجية الطوارئ وحتي حين سمع عن تلك الحالة الحرجة لم يكن يتوقع ابدا ان يكون احد اصدقائه..بالاحري احد اقرب اصدقائه...تمني ان يكون مخطئا حين راي اباه وامه يهرولان جانب المحفة التي يجرها المسعفون..لم يتأكد الا حين راي زوجته ذاهلة واخيه شاحب الوجه يحاول كعادته ان يسيطر علي انفعالاته..تنفس عميقا وهو يدعو الله الا تكون الحالة حرجة كما سمع من الممرضات التي لا يكففن عن الثرثرة..مطمئنا يسلم علي ابيه واخيه ..خفق قلبه حين فكر كيف كان حفل زواجه قبل ثلاثة اشهر...حين فكر مدي تعلقه بعائلته وتعلقهم به...تتعلق اعين زوجته به في امل فيقول بعينيه..اطمئني
**********
ربما كان قاسيا ان يراك من تحب تلفظ انفاسك الاخيرة لكنك قد تكون يوما ما قد تمنيت ان يكون من تحب هو اخر من تراه في هذه الدنيا
**********
كعادتها تعبر الطريق شاردة
تبتسم حين تفكر في ردة فعله حين تصل للسيارة فيقول لها كعادته ان تنتبه حين تعبر الطريق
وفي اللحظة التالية تختفي ابتسامتها حين رأت تلك الاضواء المسرعة تقترب منها
تجمدت قدميها في تردد بين اسراع وعودة
تري الاضواء تقترب...تري ظله المميز يعدو مسرعا..تغمض عينيها وهي لا تقو علي الحراك..تشعر بتلك الدفعة القوية تبعدها علي جانب الطريق..قلبها ينبض بعنف...تغمض عينيها..تلتقط انفاسها حين شعرت بابتعاد السيارة..بابتسامة مرتجفة تقول له
في المرة القادم سانتبه
انتظرت ان يرد فلم يفعل
ابتسمت حين تخيلت رد فعله الغاضب الحنون برغم كل شئ
فتحت عينيها...ماتت ابتسامتها علي شفتيها اذ رأته ملق علي جانب الطريق والدماء تغرق وجهه

*********************
اعلم اني لا استطيع ان اعيش يوما واحدا من بعيدا عنك
علاماته الحيوية تعلو احيانا وتهبط احيانا..غريب هذا لمن هو في غيبوبة عميقة..كأنما يحلم...عقله يتفاعل كما لو كان واعيا بينما نبضات قلبه تهبط في تلك الهوة التي لم يعد منها احد..ثم هذا الصفير المحطم للاعصاب..وذلك الخط المتصل المخيف..الان تهبط علاماته الحيوية الي الصفر بينما يحاول بكل الطرق اعادته الي الحياة
الان عالمة انه حين تطول الليالي وتقسو نيران بعدك
سوف ينمو حبك بداخلي اكثر واكثر

في تلك اللحظة وجد ذلك الممرض البدين يدخل جارا جهاز ضربات القلب امامه..استشاط غضبا..قال له
قل لي انك لم تدخل ذلك الجهاز امام اهله

ربما كان قاسيا ان يراك من تحب تلفظ انفاسك الاخيرة لكنك قد تكون يوما ما قد تمنيت ان يكون من تحب هو اخر من تراه في هذه الدنيا..ربما لن يهون عليهم ان تتحقق اخر امنياتك في هذه الدنيا ولن يعزيهم ان يكون كل من تحب هو اخر من تراه

سوف اعيش به للأبد عالمة انه حتي الموت لن يختطفه مني

لم يعد يري ماحوله..لم ينتبه الي اعصابه التي دنت من شفير الانهيار...تغرق الدماء يده وملابسه بينما يتشبث بجهاز ضربات القلب
ومع صيحة الاخلاء الشهيرة انتفضت اجساد الجميع


الاف الاحلام التي لم نحققها..سوف انتظرك يوما لنحققها سويا


يلقي الجهاز بعيدا في عصبية ..يضرب صدر صديقه نفسه بيده..تحجرت الدموع في عينيه...لن يفقده..لن يفقده

********************

قال:ربما كان قاسيا ان يراك من تحب تلفظ انفاسك الاخيرة لكنك قد تكون يوما ما قد تمنيت ان يكون من تحب هو اخر من تراه في هذه الدنيا..ربما لن يهون عليهم ان تتحقق اخر امنياتك ولن يعزيهم ان يكون كل من تحب هو اخر من تراه في هذه الدنيا ..فمادام للموت بد فلتمت بين ذراعي من تحب..في سبيل من تحب

انقبضت قلوب الجميع حين سمعوه يتكلم بتلك الحرارة...ترقرت اعينهم بالدموع وساد صمت ثقيل قطعه اخيه وهو يقول


********************

في يأس يلقي قفازه ويضرب منضدة الفحص في غضب

********************


قال: حين تفكر في وفاة احد اولئك الذين لا تستقم حياتك من دونهم...تفكر كيف تحبه وكيف لا تطيق حياتك من دونه..رغم خلافاتكما..وربما ضحكاتكما وذكرياتكما ..تري بعين الخيال وجهه الشاحب الابيض وعينيه المغلقتين..جسده الساكن....يده البارده التي طالما زرعت بداخلك اشجار وارفة من الدفءوالامان..تفكر كيف تكون الحياة من بعده..تفكر كيف يمكن ان تقابل شخصا كان يعرفه او مكانا كان يجلس به..ماذا عن اشيائه الخاصة؟؟..ماذا عن عطره وملابسه وقنواته المفضلة؟؟...تنطق عفويا بتلك الكلمة التي تنطلق من داخلك"جعل لله يومي قبل يومه"..في تلك اللحظة بالذات تتغير نظرتك الي نقيضها..الي وجهك الشاحب وجسدك الساكن وبكائه بجوار جثتك التي لا تعي ولا تسمع..يتمزق قلبك وتتساءل بحيرة ايهما اقوي الام الموت ام الام الفراق

ساد صمت تام حين قال تلك الكلمات بنبرته الهادئة التي بدا فيها حزن دفين ودمعة ابت الا يطلقها

********************

تعلقت أعين الجميع بباب غرفة الطوارئ بينما تمر الثوان كالف دهر

اعلم انك تسمعني..تسمع ندائي...تسمع خفقات قلبي بين ضلوعي اذ تنادي

مطرق الرأس ..ملوث بالدماء يخرج وهو يجر قدميه وفي عينيه تلك النظرة الدامعة المثقلة بالذنب

عندها انطلقت تلك الصرخة التي قتلت ذلك الامل الزائف في قلوبهم

********************

خدر الم باطرافه جعله غير قادر حتي عن الالم...لا يقوي علي الحراك..لا يقوي حتي علي التنفس..يحاول جاهدا ان يرفع رأسه..لم يهدأ الا حينما راها تعدو نحوه في لهفه..تحتضن رأسه في الم وتمسح الدماء عن وجهه وشفتيه..هؤلاء الاعزاء...هؤلاء الاعزاء..يدير راسه ليراهم للمرة الاخيرة...ابيه وامه..اخيه ..وهي..تلك التي أحبها كما لم يحب من قبل..يراها تحاول جاهدة اخفاء دموعها كما عودها..يرفع يده بما تبقي له من قوي ليجذبها نحوه.. يحاول الوصول الي عينيها فيمسح دمعا يأبي النزول..باخر انفاسه يحاول ان يخبرها بما حاولت اخفاؤه عنه حين رأي نتائج تلك التحاليل ملقاة باهمال صباح ذلك اليوم..كان يعلم متي واين وكيف ستخبره..دائما ما يعلم مابداخلها كأنما خلقت منه..تتحرك شفتاه جاهدة ليخبرها بان جزء منه ينمو بداخلها وربما في هذا عزاء..تتحرك شفتاه جاهدة ليخبرها كم احبها وكم تمني ان يربيا ابنهما معا..خارت قواه..تلاحقت انفاسه..تراخت يده وسقط في غيبوبة اخيرة

انقبضت قلوبهم حين شعر كل منهم بانها ربما كانت المرة الاخيرة التي يروه فيها..رغم هذا تشبث الجميع بخيط واه..امل زائف داعب قلوب الجميع ..كل منهم داخله اليقين بانه لن يراه مرة اخري ورغم هذا اخفي مايشعر به عما حوله..كل منهم اخفي دمعه وتركه داخله حمما منهمرة

ساد بعدها صمت ثقيل مزقه صوت سارينة سيارة الطوارئ المدوية

Saturday, September 06, 2008

مرارا وتكرارا


انا لا أكره الناس

ولا اسطو علي احد

ولكني ان جعت

اكلت لحم مغتصبي

فحذار...حذار

من جوعي

ومن غضبي