وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ

Tuesday, February 28, 2012

ثوار فرز اول


نظرة عامة الي بيانات المجلس الاعلي للقوات المسلحة والتي كانت تبدأ في الغالب بضرورة التواصل مع شباب الثورة ثم انتهت بمخاطبة المواطنين الشرفاء يعطينا نظرة عامة علي مدي تغير وجهة نظر المجلس الأعلي في الثورة ومطلباتها ومكتسباتها.
وبنظرة أعم نجد أن الصراع علي مكتسبات الثورة قد تطور منذ استفتاء مارس من تيار ثوري يطالب بالحلول الجذرية الناجعة الناجزة الي تيار اصلاحي يهتم اكثر ما يهتم بالمصلحة السياسية علي الارض والمواءمات السياسية التي اثبتت يوما بعد يوم انها تضر اكثر ما تنفع وتغض الطرف علي ما يراه ثانويا مهملا ويراه التيار الثوري شديد الاهمية وايقونة لثورة شعبية كاسحة وازدادت حدة الصراع لينتقل الي حرب علنية بين رؤية التيار الثوري والاصلاحي الذي تتوافق رؤيته حسبما يتراءي للمجلس العسكري عكس ما توقع ملايين الناخبين الذين رأوا ان وجود برلمان منتخب من الشعب المصري يعطيه قوة معارضة المجلس العسكري ومحاسبته بل والبدء السريع في تنفيذ مطالب الثورة.
وانتقلت ساحة الحرب الي اختلاق معارك ثانوية تشتت الرأي العام وتنسيه ما تبقي من ثورته بعد عامل كامل من الخلاف والفرقة والشتات..لا استطيع تخيل وجه المواطن البسيط الذي يحمل انبوبة البوتوجاز علي كتفه في طابور طويل حينما تخبره بأن البرلمان المنتخب ينشغل بقضية منع المواقع الاباحية و اطلاق اللحية لضباط الشرطة بل واستقتطاع جزء من وقت مناقشات المجلس في الوقت الذي تتراكم فيه الازمات والمشاكل المطالب بحلها ..الامر الذي بدا اشبه بتصفية حسابات مع تيارات الاقلية واثارة القضايا التي اهتمت بها التيارات الاسلامية حين كانت خارجة رغما عنها عن الشرعية ابان النظام البائد والتي كانت تدعو لها تحت مسمي الدعوة لتصبح مشاريع قوانين متناسين او متجاهلين ان الدول التي مناقشت وطبقت وطالبت بذلك قد استطاعت توفير الحد الادني من المعيشة الكريمة لمواطنيها .
ومن هنا نري ازدياد تلك الهوة بين التيارات الثورية وجموع الشعب المصري عامة والتيارات الاصلاحية التي اكتفت بمكتسباتها السياسية علي الارض..وساد الاحباط جموع الشباب اولا التي قامت بالثورة ثم تلاها نزول جموع الشعب المصري للمطالبة بحقوقه ..و انتشرت الاتهامات من التمويل والعمالة لشباب الثورة الي الارتزاق وادمان الترامادول وما الي ذلك.
والحق يقال فان الاعلام المصري حكوميا وخاصا قد اسهم واسهب اسهابا شديدا في الاحتفاء بشباب الثورة متجاهلا جموع الشعب العادي الذي قتل منه من قتل دون قصاص حتي الان..دعنا نري الامر علي هذا المنوال..ثورة شعبية كانت شراراتها شباب عادي قاد الشعب المصري للمطالبة بحقه قتل منه من قتل غدرا وغيلة فتم التركيز الشديد علي هؤلاء الشباب..احتفي بهم الاعلام ونادت الاصوات بانهم خيرة شباب مصر و "الورد اللي فتح في جناين مصر" وامتلأت البرامج بتلك الصورة النمطية للشباب الثائر..الشاب المهذب الوديع ذو العوينات الطبية والكوفية..ولاد الناس..الذي تختلط لغته العربية ببعض الكلمات الانجليزية ويمتلئ حديثه بالمصطلحات السياسية والقانونية ولا بأس من بعض العصبية والحماسة في الحديث..وانتشرت صور شهداء الثورة "ولاد الناس" الذي تضج وجوههم بالحيوية وبريق الاعين والتصميم ..ثم اهمال المواطن العادي الذي يرتدي زيا بسيطا مشعث اللحية مغبر الملامح..ثم كثر الحديث عن ان من يتظاهر الان ليس هو "الشباب الجميل اللي نزل يوم 25يناير" وتبارت القوي الثوية الشبابية في نفي وانكار ان المتظاهرين عند وزارة الداخلية -علي سبيل المثال- لا ينتمون اليهم..الامر الذي جنح بتفكير البعض وجعلهم يطلقون علي من لم ينل القصاص اللازم ويثور لحقه من جديد هو بلطجي يتعاطي الترامادول ووجبتي الكنتاكي ويتقاضي مائتي جنيه يوميا..سياسة اقصائية مارسها الاعلاميون عن قصد-او غير قصد-ادت لاحتواء الموجات الثورية الواحدة تلو الاخري وابتعاد الشارع المصري عن الموجات الثورية التي تتنصل منهم والارتماء في احضان التيارات الاصلاحية املهم الاخير في نيل حقوقهم.
وعبثا نقول ان اختيار جموع الشعب للتيارات الاسلامية لا ينبع من تدين اصيل..جموع الشعب المصري التي يستمع معظمها الي ام كلثوم ثم يغلق المذياع او الكاسيت عند انطلاق صوت الاذان..الشعب المصري الذي يستمتع بنفس القدر بصوت محمد رفعت قبيل الافطار وابتهالات الشيخ النقشبندي هو الذي وجد فيمن يحدثهم باسم الدين طوقا اخيرا للنجاة وللحصول علي حقوقهم التي جار عليها من ظل في السلطة طويلا يستمتع باذلاله واستلاب حقوقه حتي غرس بداخله تلك الفكرة انه قد كتب عليه المغبة والمشقة في الحصول علي تلك الحقوق..حتي بعد الثورة ظلت تلك الفكرة بعد ان وجد ان كل التيارات قد تناست همومه واعباء معيشته وقتلاه الذين اغرقوا الشوارع والميادين واهتم اكثر بتوفير متطلبات حياته.
وازدادت الاعباء تحت ظل الانفلات الامني المتعمد والتجميد المفتعل لاداء وزارة الداخلية التي دافع عنها نواب الشعب الافاضل وازداد الخوف علي ابنائهم وسبل معيشتهم في ظل ذلك الغياب الامني الذي تحول الي "استهبال"امني شديد ...لا تحاول اقناع فرد بسيط من فضلك بأن الداخلية التي لم تستطع القبض علي عصابات الخطف والسرقة والاكراه قد قبضت في يومين علي المتهمين في محاولة اغتيال النائب حسن البرنس وكيل لجنة الصحة بمجلس الشعب ومن اعتدي علي مرشح الرئاسة المحتمل عبد المنعم ابو الفتوح.
اعتبار احد المواطنين دون الاخر مواطن فرز اول له حقوق ما دون الاخر يغيب ادني حقوق العدالة الاجتماعية...ووضع شباب الثورة ثوارا فرز اول يفرز حالة من العدمية والعبثيه والكفر بالثورة..كانما قامت الثورة لتمجيد شباب الثورة وتسليط الاضواء عليهم والترحم علي شهدائهم دون ادني اهتمام بأب بسيط فقد ابنه في الثورة ولا ذنب له سوي انه لا يرتدي الانيق من الملابس ولا يملك ثمن كوفية او شال الانتفاضة الفلسطينية..كما ان الحديث المستمر عن تقسيم مصر ومخططات الفوضي الخارجية   ونظرية الالف جرح والطرف الثالث  في وجود اكثر من عشرين جهاز امني مشهود له بالكفاءة عالميا هو استهانة بعقول الشعب المصري بكافة طوائفه واطيافه وشبابه وشيوخه .
استقيموا ايها السادة يرحمنا ويرحمكم الله 

No comments: