وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ

Monday, January 02, 2012

سياسة وحش الخزانة


لديك طفل صغير ادامه الله عليك وابقاه ويتربي في عزك...ظللت تخييفه بوحش الخزانة المرعب الذي سيخرج منها ليلا ليلتهم مؤخرته اذا لم يطيع كلامك ويغسل اسنانه قبل النوم..ولا يضرب الكرة بالحائط لأن ذلك يسبب لك صداعا مزمنا..وكلما قام بفعل ما لا يروقك ظللت تذكره بوحش الخزانه ذو العينين الحمراوين ويديه ذات المخالب وعباءته السوداء التي لو لامسته لأحرقته..كبر الطفل خائفا يتحسس خطواته بعيدا عن ذلك الوحش يرمق الخزانة ليلا في خوف..حتي جاء ذلك اليوم الذي هددته يوما بوحش الخزانة فانتفض في غضب وعصبية وقام يخلع ابواب الخزانة..يدمر ملابسه وكتبه باحثا عن ذلك الوحش فلم يجده...وجد كيانا ضخما متوارثا متراكما من الخوف الذي ظل حبيسه طيلة حياته مما أورثه شعورا بالحنق الممزوج بثقة وعينان دمعتا من فرحة التحرر من ذلك القيد المقيت...الا تري معي انه من العبث ان تخيفه ثانية بوحش الخزانة اذا مافعل مالا يروقك؟؟؟

وان تحدثنا عن عبث المرحلة الانتقالية فلن يكفي مقال واحد ولا سلسلة مقالات بل ومجلدات بأكملها...الواقع الان ان سيناريو اجهاض الثورة المصرية في مرحلته النهائية...مرحلة افراز النتائج ...وان خاف الجميع وارتعب في بداية الثورة من اصدار احكام قضائية في بداية الثورة فلم يعد هناك اي مبرر لذلك بعد التشويه المتعمد للثورة المصرية ووضعها في صورة انتفاضة اصلاحية لا ثورة شاملة..ما الذي تنتظره من نظام مبارك حين يحاكم مبارك؟ما الذي تنتظره من قضاء ترزخ سلطاته بأكملها تحت قمع المجلس العسكري؟؟

حين يتم القبض علي مواطن مصري يوزع منشورات ضد حكم العسكر فتتم محاكمته وسجنه في ثلاثة ايام فقط في الوقت الذي ظلت محاكمة قتلة خالد سعيد وسيد بلال مايقرب من عام ونصف تتيه بين الاعيب المحامين و روتينية القضاء ثم يتم الحكم علي قتلة خالد سعيد بعقوبة واهية وتحويل قضيته من قتل عمد الي قتل افضي الي موت وبراءة قتلة المتظاهرين في السيدة زينب ..اذكر جيدا ان فيديو قتل المتظاهرين من قبل ضباط شرطة السيدة زينب كان من اوائل الفيدوهات التي رأيتها في بدايات الثورة..والان وقد تم الحكم ببراءتهم جميعا فما هي الرسالة الخفية التي يرسلها القضاء المصري النزيه المحترم الي الشعب المصري؟؟

دعنا نعترف ان الرسالة الخفية قد وصلت تماما الي ضباط الشرطة...فلتقتلوا من تقتلون وليستمر قمعكم واذلالكم للشعب المصري فلن يكون لكم رادع بعد الان...فتشحذوا اسلحتكم في وجوه المواطنين العزل ولا يأبه احدكم باشياء تافهة كعقوبة من اخطا فهذا لن يحدث...براءة قتلة المتظاهرين في السيدة زينب بوضع الامر كحالة دفاع شرعي عن النفس هي استكمال للصورة المشوهه التي رسمها الجميع عن الثورة وبداية لحملة براءات موسعة بدءا من ضباط الشرطة وصولا بمن اعطي لهم الاوامر بقتل المتظاهرين وشرعية الدفاع عن النفس..وان كانت الثورة قد قامت لتطهير فساد الداخلية فقد تحول الامر الان الي اعتداء وحشي علي ضباط الداخلية واقسام الشرطة.

ولأن الامر قد اصبح مموها فلا تعرف له راس من ذيل فقد وصلت الرسالة كاملة غير منقوصة الي اباء شهداء الثورة كاملة غير منقوصة...لن ينصفكم قضاء مبارك والمجلس العسكري من بعده – او من خلاله – فالشعب بأكمله يعاقب علي ثورته الان وعلي اطاحته بمبارك وعلي أمله ان يحيا كريما في ظل دولة قانون يسري علي الجميع ويفتح الباب لحالة كاملة من الفوضي والعنف ولا ادل من ذلك الا بهتاف مسيرة امس امام دار القضاء العالي (ياقضاء نام وارتاح حقنا حناخده بالسلاح)...لا تلومن ابا موتورا ولا اما مكلومة حين تنتزع قصاصها وحق ابناءها قسرا  فأنت رجل عادي من البروليتاريا لا يحق لك سوي تحمل القمع والقمع والمزيد من القمع ولا امل لك في حياة كريمة ولا قضاء نزيه ولا قصاص عادل.

ثم تأتي مرحلة ما لتبرير كل ذلك العنف ..مصر تحترق وهناك مخططات كاملة لاحراقها وادخالها في دوامات من الفوضي والتخريب والتقسيم والتدخل الأجنبي وعلي الجميع التكاتف من اجل منع ذلك..لا أعلم حتي الان دور اجهزة الدولة وسط كل هذا ..ما اعلمه يقينا انني اذا كنت رب اسرة وعلمت ان هناك من يخطط لسرقة منزلي وانتهاك حرمات اهل بيتي فسوف افعل كل مايلزم للحيلولة دون ذلك...ولكني لن اظل اصرخ في وجوه ابنائي بأن يخافواويرتعبوا...يكتفي المجلس العسكري فقط بلعب دور المحلل الرياضي في استديوهات تحليل مباريات الكرة..يشرح خطط احراق مصر وينشر شائعات مضللة وهو يملك جهاز مخابرات عامة ومخابرات حربية بشهادة جميع الدول من اقوي اجهزة المخابرات في العالم..يملك جهاز امن وطني صنيعة السيكيوريتاتيا الرومانية في اوج عصرها ومجدها ...لا يستطيع عاقل ان يصدق ان اجهزة امنية بهذه القوة لا تستطيع اجهاض تلك المؤامرات والاكتفاء بنشر الرعب والفزع بل الاقرب لمنطقية الامور انه يعطي لنفسه وللعالم اجمع مبرر لاستخدام القوة المفرطة لقمع التظاهرات والاحتجاجات.

ولكن عبثية الامر تأتي حين تلعب بمقدرات شعب ثائر يريد الموت بأكثر ما يريد جنرالات المجلس ومعاونيه الحياه...بعد عام كامل من الثورة المصرية يتكرر الكلام عن المخططات والمندسين والمؤامرات الخارجية لنعلم فقط رؤية المجلس العسكري الحقيقية لثورة مصر..بعد عام كامل تقتحم مقرات المنظمات الحقوقية والتحفظ علي ملفاتها بدعوي التحقيق في تمويل خارجي ويتجاهل عامدا متعمدا مركز محمد علاء مبارك الذي تصدر اسمه اولي المنظمات التي تتلقي دعما...من المنطقي بعد الدور الذي لعبته منظمات حقوق الانسان من الحصول علي حكم ادانة في قضية كشف العذرية ومحاكمة اللواء كاطو علي تصريحاته..بل والحصول علي مستندات تكشف تورط احد قادة المجلس العسكري في قضية قطع الاتصالات وتحويل ملف احداث محمد محمود الي المحكمة الجنائية الدولية ان يتم اغلاقها بتلك الطريقة الغاشمة السلطوية ..وتجاهل الجمعيات الاسلامية التي تلقت تمويلا خارجيا بعد التأكد التام من  موالاتهم للمجلس العسكري ودورهم الذي اصبح لا يخفي علي احد في اجهاض الثورة والاكتفاء بكراسي البرلمان.

تحويل مظاهرات الخامس والعشرين من يناير القادم الي مؤامرة كبري تضمن للمجلس العسكري خروجا امنا من السلطة دون محاكمة جنائية و صناعة مناخا يجعل من فكرة السلمية مثارا للسخرية وتغذية اليأس بين صفوف الثوار وطبقات الشعب يجعل الجميع مستدرجا رغما عنه الي عنف يقابل  بعنف مماثل يبرره استخدام الشرطة العسكرية والداخلية و  تشويه المتظاهرين ووضعهم في صورة المتامرين  يدعو الجميع الي نبذهم بل واعطاء المجلس العسكري الضوء الاخضر لابادتهم ..تحويل ثورة يناير الي انتفاضة اصلاحية واختذال مكتسباتها الي برلمان منتخب وتغيير حكومة يحتاج من الجميع تكاتف اقوي ونبذ الخلافات والكف عن النواح والبكاء علي اللبن المسكوب لتحقيق مطلب الثورة الرئيسي في اسقاط النظام وتحقيق دولة القانون واحقاق العدالة والمساواة والعيشة الكريمة والعدالة الاجتماعية.

لم يعد وحش الخزانة يخيف احدا ايها السادة..قد كبرنا جميعا ولم تعد تخيفنا عباءته السوداء ولا عينيه الحمراوين الكبيرتين...ان الاوان لاحترام عقل ومقدرات..بل وكرامة هذا الشعب...لم يعد يخيفنا الانفلات الامني ولا الازياء الرسمية ذوات الرتب...لم تعد تخيفنا هراوات واقنعة ودروع الامن المركزي والشرطة العسكرية..لم تعد تخيفنا احاديثكم –اعزكم الله – عن المجاعة وعجلة الانتاج..لن يستطيع احدا بعد اليوم السيطرة علي مقدراتنا بافتعال ازمات الغلاء والبنزين والسولار...هذا شعب قد قام ينتفض ضد من عبث بامنه وامانه وحريته...وسيظل ينتفض ويثور حتي يتحقق له ما اراد...ولاذكركم بانه ليس اشرس من شعب كبل بالاغلال فانتفض وثار وشعر بطعم الحرية..من ذلك الشعب الذي انتفض وثار ومزق اغلاله واقتنص حريته..ليكتشف بأن ثورته كانت لعبة...وان ماحدث ان ازداد طول السلسلة التي كانت تغله حتي اذا ماحاول ان يثور...جذب جلاديه قيوده بقبضة من حديد مهلهل ليحني رقبته ويكشف له انه مازال مغلولا اسيرا عبدا يتحرك في محيط دائرة اغلاله ...الامل الزائف ياسادة اقسي وامر واكثر هوانا من انعدام الامل علي الاطلاق.

افيقوا...واستقيموا..يرحمنا ويرحمكم الله.

No comments: