وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ

Tuesday, December 13, 2011

كرة الديمقراطية الزرقاء


شعبا لم يتعلم ثقافة المقاطعة بعد...المقاطعة تأتي بثمارها ومفعولها حين يكون قرارا بالاجماع وقد اثبتنا فشلا ذريعا في مقاطعة اي شئ..بدئا بمقاطعة البضائع الامريكية حين اغتيل محمد الدرة بين يدي والده...مرورا  بمقاطعة البضائع الدانمركية ابان نشر الرسوم المسيئة للرسول..انتهاءا بمقاطعة مسلسلات رمضان الاباحية ومقاطعة الانتخابات البرلمانية
ولهذا نجد ان قرار مقاطعة الانتخابات قرارا فرديا في معظمه...لم يؤت ثماره كالعادة بل واعطي الجميع فرصة لمهاجمة من يقاطع عرس الديمقراطية المذهل...وياتي مذهلا لأن من وقف بالساعات في طوابير الانتخاب –بعد تدريبات طويلة في الوقوف في طوابير الخبز وأنابيب البوتوجاز-وقف ليختار نائبا في برلمان لا يملك من الصلاحيات سوي اختيار اعضاء اللجنة التأسيسية لاعداد دستور البلاد القادم-الذي اعتقد انه معد سلفا-ولا يملك محاسبة او مراقبة او سحب الثقة من حكومة اصبح رئيسها –بموجب تعديل الاعلان الدستوري-رئيسا انتقاليا غير منتخب –كالعادة-مما يعطي البرلمان صفة شرفية ويصبح مصيره معلق فلا تدري هل يحل بعد اختيار رئيس الجمهورية ام بعد اعداد الدستور ام ينتهي حين تنتهي دورته البرلمانية – رغم مافي ذلك من مخالفة صريحة لأي دستور!!
الملعب السياسي يشهد صراعا بين كثير من اللاعبين...
1-      حكومة الجنزوري التي جل اهتمامها الان يتلخص في انقاذ اقتصاد بلاد شهدت تخريبا قانونيا متعمدا لسرق ثرواتها والسعي الي تحقيق امانا طال انتظاره –دون اي تدخل في اي ملفات اخري كملاحقة الفاسدين ومحاكمة من اردي بمصر الي هذا المصير المتردي..المؤتمر الصحفي الاخير للجنزوري يعطي صورة واضحة للسرقة المقننة التي حدثت خلال العقد الأخير من تاريخ مصر...شركات نظافة اجنبية تتعاقد بما يعادل نصف مليار جنيه سنويا...قطاع البترول الذي وصلت ديونه الي مايقرب من ستين مليار دولار...ملايين الامتار المربعة من الاراضي التي نهبت دون ادني تدخل من الجهات الرقابية المختصة بل واراضي زراعية تم تجريفها عن عمد...التساؤل الذي يطرح نفسه الان متي يأتي الوقت لانشاء محاكمات فساد سياسي عاجلة لكل من افسد كل هذا الفساد؟؟..أليس من حق رئيس الجمهورية –وأكررها الغير منتخب – ان يصدر قرارا استثنائيا بمحاكمات استئنائية للفاسدين؟؟هذا لا يثير السخرية فقط من صلاحيات الجنزوري بقدر مايعطي اجابة شافية لماذا استثنيت من صلاحياته القضاء وشئون القوات المسلحة..لا نية لدي احد في نظام مابعد الثورة بمحاكمة من افسد الحياة السياسية ودمر الاقتصاد المصري..وهذا وان اعطي دليلا واضحا علي صحة ما اطلقه الثوار بضرورة انشاء حكومة انقاذ وطني تدير شئون البلاد والعمل علي جميع الملفات الثورية بالتوازي لتخفيف احتقان الشعب المصري واعطائه شعورا بأن ما حدث كان ثورة فعلية وليست انتفاضة شعبية انتهت باعادة استنتاخ مشوه لنظام مبارك.
2-      المجلس الاستشاري –فزاعة المجلس العسكري- الذي لا يعرف احد حتي الان ماهي صلاحياته ولا لما انشئ من الاساس سوي اعلان دستوري غامض الملامح يعطيه صلاحيات مجلسي الشعب والشوري-وهي صلاحيات وهمية بالطبع-هو بالأحري كيس الملاكمة الذي يقي المجلس العسكري شر ضربات الثوار..وهو ليس بالفكرة المبتكرة بالمناسبة بل هي نقلا عن مجلس قيادة ثورة 1952..وهذا يعطي دليلا واضحا علي قلة خبرة المجلس العسكري بالشئون السياسية –ناهيك عن تواطئه الواضح منذ استفتاء 19مارس-كما يعطي صورة كاملة علي نفاذ خيارات المجلس العسكري وعدم قدرته علي التجديد او اتخاذ أي قرارت ثورية .

3-      تيارات الاسلام السياسي التي باتت بعد انتهاء المرحلة الاولي من الانتخابات تتعامل بمنطق استقوائي واضح من التصريحات العنترية بضرورة تشكيل الحكومة او التعامل بصفتها اغلبية البرلمان..كقاعدة احصائية ماحدث في المرحلة الاولي اشبه بالتعامل مع عدة اشخاص في غرف مغلقة مظلمة يختر كل منهم كرة زرقاء او حمراء ..لن تأتي الاغلبية ايها السادة الا حين تنتهي جميع المراحل ويتم حساب عدد الكرات الزرقاء والحمراء..وماحدث ليس مؤشرا بل نتيجة طبيعية منطقية شابها العديد من التجاوزات والتشوهات والانتقادات...فلتعطي من ينتخبك فرصة لاختيارك عبر برنامج سياسي قوي وليس عبر خطب المساجد وفتاوي التكفير فشعب مصر متدينا بطبعه يؤرقه الحلال والحرام اكثر مايؤرقه...اعطه خططا مستقبلية مختلفة وليست فكر نظام سابق مذبوح علي الطريقة الاسلامية..اعطه اشخاصا يتحدثون باسمك لا باسم الاسلام..اعطه وسطية وعقول مستنيرة ذات بصيرة صائبة ولا تروعه بحرمانية السياحة وادب نجيب محفوظ وسن قوانين تتدخل في حريته الشخصية ولتتركه بعدها ليختار.

4-      ثوار التحرير الذين لعبوا برغمهم دور "الشرطي السئ" في لعبة الافلام الامريكية الشهيرة "الشرطي الجيد .الشرطي السئ"....good cop ,,,bad cop""...هم دائما في الشارع ينتقدون ويرزخون تحت نار البلطجية وبلطجية الزي الرسمي وبين حملات التشويه وايقاف عجلة الانتاج رغم شرعية مطالبهم التي لا يشكك بها احد والذي اهم ما يؤخذ عليهم عدم توحيد الرأي وكثرة الخلاف مما اعطاهم مظهر المعترض للاعتراض فقط دون حصافة سياسية تمكنهم من نقل ثورتهم الي ثورة سياسية في الاساس..ورغم كل شئ هم انقي صورة للمشهد السياسي المصري حاليا بدون مواربة ولا تلفيق ولا ميكيافيللية القوي السياسية والاحزاب .

مما يؤسف له ان تحول الشعب المصري الي شعب "يتظاهر"...يتظاهر بالمعيشة الكريمة في ظل رواتب متدنية وغلاء مستعر ونقص في المواد الاساسية كانابيب البوتوجاز..يتظاهر بالعلاج الممتاز في ظل تدن واضح لمنظومة علاجية يتظاهر العاملين فيها ببذل جهد لتقديم خدمات علاجية...يتظاهر بالتعليم في ظل منظومة تعليمية هزلية يتظاهر العاملين بها بتقديم افضل تعليم ممكن...يتظاهر ببنية تحتية متردية معتبرا انقطاع المياه او الكهرباء او حتي امتلاء الشوارع بالمياه بعد الامطارشيئا عاديا طبيعيا..يتظاهر في احساسه بالامن رغم امتلاء الشوارع بالبلطجية وانتشار حوادث الاختطاف والسرقة بالاكراه والاغتصاب والقتل...يتظاهر بممارسة حقه الديمقراطي في ظل قانون يغرم من يقاطع الانتخابات بغرامة خمسمائة جنيه لا تتوافر للكثير منه..بل والانكي والادهي والامر ان تلك الانتخابات لن تحقق له برلمان قوي له صلاحيات.

ومما يؤسف له اكثر...ان يعتبر المجلس العسكري ثورته علي كل ذلك مجرد "تظاهر"..وان يظل في فترة انتقالية يجاهد ويقاتل ويبذل جهدا لاعادة انتاج نظام يحمي جنرالاته من المحاكمة والملاحقة القانونية بتهم فساد مالي – نتاج طبيعي لنظام سابق اقرب لعصابة سرقة منظمة فاقت عصابات المافيا – وتهمة قتل ثوار محمد محمود بالرصاص الحي والخرطوش بل والتغاضي عن القاء قنابل غاز محرمة دوليا ومحاكمته كمجرم حرب.

فلتتقوا الله في مصر ايها السادة...ولتستقيموا...استقيموا يرحمنا ويرحكمم الله..

No comments: